​ ليس عيبا: ابرار وادي

10th Nov 2023 by Hadeel Abdelhameed

​  ليس عيبا:  ابرار وادي

​ ليس عيبا: ابرار وادي


كنت في الثانوية عندما اخبرت اهلي برغبتي بدخول مجال الهندسة، بحقيقة الامر كانت اجابة ردًا على نقاش تخللته تساؤلات عن ماذا يجب ان اكون مستقبلاً، على طاولة طعام الغداء اجتمعنا عليها انا واسرتي، لم تعجب رغبتي ابي فرد عليّ بغضب بان مجال الهندسة للرجال و"عيب" على البنات.

نشأت في اسرة صغيرة تسكن حي شعبي محافظ شمال شرق مدينة البصرة، لم تكمل الكثير من نساء الحي تعليمهن، واضطررن بعدها للزواج، واللواتي اكملنه فقد انخرطن في تخصصات حددها الاهل لهن لتعزيز دورهن الثانوي في المجتمع.

لا تختار اغلب نساء المجتمع تخصصاتهن بحرية، وبأغلب الاحيان يختار الاهل التخصصات البعيدة عن الاختلاط وبأقل عدد ساعات عمل خارج المنزل مثل التدريس، وامي كانت معلمة، واُريد لي ان اكون كذلك.

اختي لأبي –وهي من مواليد بدايات ثمانينات القرن الماضي- تزامنت نشأتها مع أكثر الفترات صعوبة في تاريخالعراق، اضطرت لترك دراستها ليكمل الاخرون من اخوتي دراستهم بدلاً عنها لان الاوضاع المادية لم تكفي في حينها الا للضروريات فيتم التضحية بتعليم البنات لأنه ليس منها، وكنتيجة حتمية تزوجت بعدها مدة قصيرة وبعمر صغير.

الزواج كضرورة حتمية لم تجو منه حتى الطالبات، الكثير من الطالبات اللواتي كنَّ في المتوسطة بعمر الرابعة عشرة واقل متزوجات وبعضهن كنَّ حوامل والكثير منهن تركنَّ المدرسة بعد فترة، لأسباب كثيرة امتزجت فيها عوامل الحرب وعدم الاستقرار السياسي مع الثقافة الابوية والعشائرية السائدة.

في الحي حيث كنا نعيش، تحكم العشائر قبضتها على كل شيء، والنساء باعتبارهن الحلقة الاضعف كن مخفيات والاماكن العامة يسيطر عليها الرجال من البائعين للسائقين وصولاً للمسلحين، نعم فالمظاهر المسلحة لرجال العشائر كانت مظاهر طبيعية وتطبع المجتمع عليها وتعود وكنتيجة لها كانت تحرم بنات العشائر المتحاربة من الذهاب للمدرسة لأيام وربما يتركنها تماماً، كما حدث مع احدى صديقاتها وقتها، إذ اجبرت على ترك المدرسة قبل الامتحانات النهائية للصف السابع بسبب نزاع عشائري كانت عشيرتها طرفًا فيه.

في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية اضطررنا لتغيير سكننا بسبب ازياد النزاعات المسلحة واصوات الرصاص التي صرنا نسمعها ليلاً ونهاراً بعد ما كانت حكراً على الليل، انتقلنا لمركز المدينة وحاربت للبقاء في مدرستي القديمة بشمال المدينة على الرغم من طول الطريق، الامر الذي اضطرني للخروج قبل موعد بدأ الدوام بساعتين على الأقل يومياً والركوب بسيارات النقل العامة للوصول للمدرسة.

التحرش والمضايقات هي المظاهر المعتادة في مشوار المدرسة اليومي هذا، المرات الاولى التي تعرضت فيها للتحرش كنت أرتعد واتجمد وأبكي بعدها لأيام، خوفي من رد الفعل الذي قد يهدد استمراري بالمدرسة، جعلني أفضل الصمت على البوح، بعدها اصبحت اكثر شجاعة بالتعامل معه.

أنهيت السنة الاخيرة من المدرسة بمجموع 95، ودخلت لكلية الهندسة بعد صراعات مع اسرتي وتخرجت منها قبل قيام ثورة تشرين لكن لم يمنعني هذا من التنظيم والمشاركة بالمسيرات الطلابية جميعها، رفعت فيها لافتات تقاطع قضايا المرأة بالثورات ورددت مع اخريات بالمسيرات النسوية بشعار الثورة انثى.

تخرجت من كلية الهندسة منذ أربع سنوات، على الصعيد المهني، عملت فور تخرجي مهندسة موقع في احدى الشركات الاجنبية النفطية العاملة في المدينة، بعدها كمصممة انشائية، ومازلتُ.

خلال الاربع سنوات هذه تطوعت في فرق وجمعيات وتحالفات نسوية، لمساعدة النساء المُعنفات وكتبت مقالات وساهمت بتقديم محاضرات وورش تتناول مواضيع العنف والمساواة والتعليم وغيرها.

اشعر اليوم ان ما وصلت اليه وما اسعى لتحقيقه هو انعكاس لفترة عشتها وادركت افرازاتها السلبية بالواقع الحالي لذا اسعى من خلال عملي الوظيفي والتطوعي لكسر الصور النمطية والقوالب الاجتماعية التي وضعنا فيها نحن النساء والتي حجمت دورنا الحقيقي وألقت بنا في أدوار ثانوية يراد لها الاستمرار.

ابرار وادي: مهندسة مدنية و ناشطة نسوية 

Twitter: abrarwadi97

Image
.